قال الألباني في " الضعيفة " (2/ 286) بعد تخريجه حديث معاذ في الرأي وبيان ضعفه وما يستنكر منه :
" هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص ، وهذا مما لا خلاف فيه ، ولكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن وإنزاله إياه معه ، منزلة الاجتهاد منهما . فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة ، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يوجد في الكتاب . وهذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم ، بل الواجب النظر في الكتاب والسنة معاً وعدم التفريق بينهما ، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن ، وتقيد مطلقه ، وتخصص عمومه كما هو معلوم . ومن رام الزيادة في بيان هذا فعليه برسالتي " منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " .
وقال أيضاً في آخر رسالته المذكورة (21ـ 23) :
" وقبل أن أنهي كلمتي هذه أرى لا بد لي من أن ألفت انتباه الأخوة الحاضرين إلى حديث مشهور ، قلما يخلو منه كتاب من كتب أصول الفقه ، لضعفه من حيث إسناده ولتعارضه مع ما انتهينا إليه في هذه الكلمة من عدم جواز التفريق في التشريع بين الكتاب والسنة ، ووجوب الأخذ بهما معاً ألا وهو حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أرسله إلى اليمن :
" بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : بسنة رسول الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : أجتهد رأي ولا آلو ، قال : الحمد لله الذي وفق رسول الله ، لما يحب رسول الله " .
أما ضعف إسناده ، فلا مجال لبيانه الآن ، وقد بينت ذلك بياناً شافياً ربما لم أسبق إليه في السلسلة الضعيفة برقم 885 ، وحسبي أن أذكر أن أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى قال فيه : " حديث منكر " . وبعد هذا يجوز لي أن أشرع في بيان التعارض الذي أشرت إليه فأقول :
إن حديث معاذ هذا يضع للحاكم منهجاً في الحكم على ثلاث مراحل ، لا يجوز أن يبحث عن الحكم في الرأي إلا بعد أن لا يجده في السنة ، ولا في السنة إلا بعد أن لا يجده في القرآن . وهو بالنسبة للرأي منهج صحيح لدى كافة العلماء ، وكذلك قالوا : إذا ورد الأثر بطل النظر . ولكنه بالنسبة للسنة ليس صحيحاً ؛ لأن السنة حاكمة على كتاب الله ومبينة له ، فيجب أن يبحث عن الحكم في السنة ، ولو ظن وجوده في الكتاب لما ذكرنا ، فليست السنة مع القرآن ، كالرأي مع السنة ، كلا ثم كلا ، بل يجب اعتبار الكتاب والسنة مصدراً واحداً لا فصل بينهما أبداً ، كما أشار إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه " يعني السنة وقوله : " لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض " . فالتصنيف المذكور بينهما غير صحيح ، لأنه يقتضي التفريق بينهما وهذا باطل لما سبق بيانه " .